فصل: من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة الضحى:
قوله جل ذكره: بسم الله الرحمن الرحيم.
(بسم الله) لا يشبهه كفو في ذاته وصفاته، ولا يستفزه لهو في إثبات مصنوعاته، ولا يعتريه سهو في علمه وحكمته، ولا يعترضه لغو في قوله وكلمته.
فهو حكيم لا يلهو، وعليم لا يسهو، وحليم يثبت ويمحو، فالصدق قوله، والحق حكمه، والخلق خلقه، والملك ملكه.
قوله جل ذكره: {والضحى وَالليل إِذَا سجى}.
{والضحى}: ساعةٌ من النهار. أو النهارُ كلُّ يُسَمّى ضُحًى. ويقال: أقسم بصلاة الضُّحى.
ويقال: الضحى الساعةٌ التي كَلَّم فيها موسى عليه السلام.
{وَالَّيْلِ إِذَا سجى} أي: ليلة المعراج، و{سجا}: أي سَكَن، ويقال: هو عامٌّ في جِنْسِ الليل.
ويقال: {الضحى} وقت الشهود.
{وَالَّيْلِ إِذَا سجى} الذي قال: إنه ليُغَانّ على قلبي..
ويقال: {الليل إذا سجا} حين ينزل اللَّهُ فيه إلى السماء الدنيا- على التأويل الذي يصحُّ في وصفه.
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى}.
ما قَطَعَ عنك الوحيَ وما أبغضك.
وكان ذلك حين تأخَّر جبريلُ- عليه السلام- عنه أياماً، فقال أهل مكة: إن محمداً قد قلاه ربُّه. ثم أنزل هذه السورة.
وقيل: احتبس عنه جبريل أربعين يوماً، وقيل: اثني عشر يوماً، وقيل: خمسة وعشرين يوماً.
ويقال: سبب احتباسه أن يهودياً سأله عن قصة ذي القرنين وأصحاب الكهف، فوَعَدَ الجوابَ ولم يقل: إن شاء الله.
{وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى}.
أي: ما يعطيك في الآخرة خيرٌ لَكَ مما يعطيك في الدنيا.
ويقال: ما أعطاك من الشفاعة والحوض، وما يُلْبِسُك من لباس التوحيدِ- غداً- خيرٌ مما أعطاكَ اليومَ.
{ولسوف يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى}.
قيل: أفترضى بالعطاء عن المُعْطِي؟ قال: لا.
قوله جل ذكره: {أَلَمْ يَجِدْكَ يتيماً فآوى}.
قيل: إلى عمِّه أبي طالب.
ويقال: بل آواه إلى كَنَفِ ظِلِّه، وربَّاه بلطف رعايته.
ويقال: فآواكَ إلى بِساطِ القربة بحيث انفردْتَ بمقامِك، فلم يُشَارككْ فيه أحد.
{وَوَجَدَكَ ضالا فهدى}.
أي: ضللْتَ في شِعابِ مكة، فهدى إليك عَمَّك أبا طالبٍ في حال صباك.
ويقال: {ضالا} فينا متحيِّراً.. فهديناك بنا إلينا.
ويقال: {ضالا} عن تفصيل الشرائع؛ فهديناك إليها بأن عرَّفناك تفصيلها.
ويقال: فيما بين الأقوام ضلالٌ فهداهم بك.
وقيل: {ضالا} للاستنشاء فهداك لذلك.
وقيل: {ضالا} في محبتنا، فهديناك بنور القربة إلينا.
ويقال: {ضالا} عن محبتي لك فعرَّفتك أنِّي أُحِبُّك.
ويقال: جاهلاً بمحلِّ شرفِكَ، فعرَّفْتُك قَدْرَكَ.
ويقال: مستتراً في أهل مكة لا يعرفك أحد فهديناهم إليك حتى عرفوك.
{وَوَجَدَكَ عائلا فأغنى}.
في التفسر: فأغناكَ بمال خديجة.
ويقال: أغناك عن الإرداة والطلب بأن أرضاك بالفَقْد.
ويقال: أغناك بالنبوَّة والكتاب. ويقال: أغناك بالله.
ويقال: أغناك عن السؤال حينما أعطاك ابتداءً؛ بلا سؤالٍ منك.
قوله جل ذكره: {فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تقهر}.
فلا تُخِفْه، وارفقْ به، وقرِّبْه.
{وَأَمَّا السائل فَلاَ تنهر}.
أي: إمَّا أن تُعْطِيَه.. أو تَرُدَّه برِفْقٍ، أو وعدٍ.
ويقال: السائلُ عنَّا، والسائلُ المتحيِّرُ فينا- لا تنهرهم، فإنَّا نهديهم، ونكشف مواضع سؤالهم عليهم.. فلا طِفْهم أنت في القول.
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فحدث}.
فاشكُرْ، وصَرِّحْ بإحسانه إليك، وإنعامه عليك. اهـ.

.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
وَمِنْ سُورَةِ الضُّحَى:
قوله تَعَالَى: {فَأَمَّا اليتيم فَلَا تقهر}
قِيلَ: لَا تقهرهُ بِظُلْمِهِ وَأَخْذِ مَالِهِ.
وَخَصَّ اليتيم؛ لِأَنَّهُ لَا نَاصِرَ لَهُ غَيْرُ اللَّهِ، فَغَلَّظَ فِي أَمْرِهِ لِتَغْلِيظِ الْعُقُوبَةِ عَلَى ظَالِمِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «اتَّقُوا ظُلْمَ مَنْ لَا نَاصِرَ لَهُ غَيْرُ اللَّهِ».
وقوله تَعَالَى: {وَأَمَّا السَّائِلُ فَلَا تنهر} فِيهِ نَهْيٌ عَنْ إغْلَاظِ الْقول لَهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِهَارَ هُوَ الزَّجْرُ وَإِغْلَاظُ الْقول؛ وَقَدْ أَمَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى بِحُسْنِ الْقول لَهُ، وَهُوَ قوله تَعَالَى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّك تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قولا مَيْسُورًا} وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ.
آخِرُ السُّورَةِ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة الضحى فِيهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ:
الْآيَةُ الأولى قوله تَعَالَى: {والضحى} فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
المسألة الأولى:
قوله: {الضُّحَى}: هُوَ ضَوْءُ النَّهَارِ حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، يُقال: ارْتَفَعَتْ الضُّحَى، وَمَعْنَاهَا هُوَ الضَّوْءُ مُذَكَّرٌ، وَتَصْغِيرُهُ ضُحَيَّا، فَإِذَا فَتَحْت مَدَدْت، قال الشَّاعِرُ:
أُعَجِّلُهَا أَقْدُحِي الضَّحَاءَ ضُحًى ** وَهِيَ تُنَاصِي ذَوَائِبَ السِّلْمِ

يَصِفُ أَنَّهُ نَامَ عَنْ إبِلٍ، فَأَخَذَهَا ضُحًى قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الضَّحَاءُ.
وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الضَّحَاءَ بَعْدَ الضُّحَى، حَقٌّ إنَّهُ لِيَتَمَادَى إلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَفِي الْحَدِيثِ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ حِينَ هَاجَرَ، وَقَدْ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ، وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَزُولُ.
المسألة الثَّانِيَةُ:
فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: وَفِيهِ قولان:
أحدهما: «أَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رُمِيَ بِالْحَجَرِ فِي إصْبَعِهِ فَدَمِيَتْ؛ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
هَلْ أَنْتِ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ ** وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيت»

قال: فَمَكَثَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَا يَقُومُ، فَقالتْ امْرَأَةٌ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ؛ مَا أَرَى شَيْطَانَك إلَّا قَدْ تَرَكَك؛ فَنَزَلَتْ السُّورَةُ.
الثَّانِي: رَوَى جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي الصَّحِيحِ قال: اشْتَكَى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقالتْ: يَا مُحَمَّدُ، إنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُك قَدْ تَرَكَك.
وَفِي رِوَايَةٍ: مَا أَرَى صَاحِبَك إلَّا أَبْطَأَك، فَنَزَلَتْ.
وَهَذَا أَصَحُّ.
المسألة الثَّالِثَةُ:
بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ (تَرْكُ الْقِيَامِ لِلْمَرِيضِ) وَأَدْخَلَ الْحَدِيثَ لِيَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ وُجُوبُ قِيَامِ الليل.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْقول الْمُحَقَّقَ فِيهِ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فَرْضًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ.
المسألة الرَّابِعَةُ:
الْحَدِيثُ بِأَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اشْتَكَى، فَتَرَكَ الْقِيَامَ صَحِيحٌ وَذِكْرُهُ فِيهِ:
«هَلْ أَنْتِ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ ** وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ»

غَيْرُ صَحِيحٍ وَقوله: فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ أَسْقَطَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، خَرَّجَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي صَرِيحِ الصَّحِيحِ.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قوله تَعَالَى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تنهر} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الأولى:
ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهَا قوليْنِ:
الأول: وَأَمَّا السَّائِلَ لِلْبِرِّ فَلَا تنهر أَيْ رُدَّهُ بِلِينٍ وَرَحْمَةٍ؛ قالهُ قَتَادَةُ.
الثَّانِي: سَائِلُ الدِّينِ لِلْبَيَانِ لَا تنهرهُ بِالْجَفْوَةِ وَالْغِلْظَةِ.
المسألة الثَّانِيَةُ:
أَمَّا مَنْ قال: إنَّهُ سَائِلُ الْبِرِّ فَقَدْ قَدَّمْنَا وُجُوهَ السُّؤَالِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَكَيْفِيَّةَ الْعَمَلِ فِيهِ، وَقول مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى، فَكَيْفَ بِالْأَذَى دُونَ الصَّدَقَةِ.
وَأَمَّا السَّائِلُ عَنْ الدِّينِ فَجَوَابُهُ فَرْضٌ عَلَى الْعَالِمِ عَلَى الْكِفَايَةِ كَإِعْطَاءِ سَائِلِ الْبِرِّ سَوَاءً، وَقَدْ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَنْظُرُ إلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَيَبْسُطُ رِدَاءَهُ لَهُمْ، وَيَقول: مَرْحَبًا بِأَحِبَّةِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: كُنَّا إذَا أَتَيْنَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقول: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ، وَإِنَّ رِجَالًا يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ يَتَفَقَّهُونَ، فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا».
وَفِي رِوَايَةٍ: «يَأْتِيكُمْ رِجَالٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ» فَذَكَرَهُ.
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قوله تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فحدث} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الأولى:
فِي قوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فحدث} ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أحدهَا أَنَّهَا النُّبُوَّةُ.
الثَّانِي: أَنَّهَا القرآن.
الثَّالِثُ: إذَا أَصَبْت خَيْرًا أَوْ عَمِلْت خَيْرًا فحدث بِهِ الثِّقَةَ مِنْ إخْوَانِك؛ قالهُ الْحَسَنُ.
المسألة الثَّانِيَةُ:
أَمَّا مَنْ قال إنَّهَا النُّبُوَّةُ فَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنُ الْهَادِ، قال: جَاءَ جِبْرِيلُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقال: يَا مُحَمَّدُ، اقرأ. قال: «وَمَا أَقرأ؟» قال: {اقرأ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ} حَتَّى بَلَغَ {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَقال لِخَدِيجَةَ: يَا خَدِيجَةُ؛ مَا أَرَانِي إلَّا قَدْ عُرِضَ لِي.
فَقالتْ خَدِيجَةُ: كَلًّا وَاَللَّهِ، مَا كَانَ رَبُّك لِيَفْعَلَ ذَلِكَ بِك، وَمَا أَتَيْتَ فَاحِشَةً قَطُّ.
قال: فَأَتت خَدِيجَةُ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ؛ فَقال وَرَقَةُ: إنْ تَكُونِي صَادِقَةً فَزَوْجُك نَبِيٌّ، وَلَيَلْقِيَنَّ مِنْ أُمَّتِهِ شِدَّةً، فَاحْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالتْ خَدِيجَةُ: يَا مُحَمَّدُ، مَا أَرَى رَبَّك إلَّا قَدْ قَلَاك، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {والضحى} يَعْنِي السُّورَةَ.
فَهَذَا حَدِيثُهُ بِالنُّبُوَّةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُهُ بالقرآن فَتَبْلِيغُهُ إيَّاهُ، قالتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَوْ كَانَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا مِنْ الْوَحْيِ شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِذْ تَقول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَكَ}.
وَقالتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنْ الْوَحْيِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاَللَّهُ يَقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَغْت رِسَالَتَهُ}.
وَأَمَّا تَحَدُّثُهُ بِعَمَلٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِإِخْلَاصٍ مِنْ النِّيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الثِّقَةِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ إلَى الرِّيَاءِ، وَأَسَاءَ الظَّنَّ بِسَامِعِهِ.
وَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ؛ قال: دَخَلْت عَلَى أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، فَقال: لَقَدْ رَزَقَ اللَّهُ الْبَارِحَةَ خَيْرًا، صَلَّيْت كَذَا وَسَبَّحْت كَذَا.
قال: قال: أَيُّوبُ: فَاحْتَمَلْت ذَلِكَ لِأَبِي رَجَاءَ.
وَمِنْ الْحَدِيثِ بِالنِّعْمَةِ إظْهَارُهَا بِالْمَلْبَسِ وَالْمَرْكَبِ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ»؛ وَإِظْهَارُهَا بِالْمَلْبَسِ وَالْمَرْكَبِ.
وَإِظْهَارُهَا بِالْجَدِيدِ وَالْقَوِيِّ مِنْ الثِّيَابِ النَّقِيِّ، وَلَيْسَ بِالْخَلِقِ الْوَسِخِ، وَفِي الْمَرْكَبِ اقْتِنَاؤُهُ لِلْجِهَادِ أَوْ لِسَبِيلِ الْحَلَالِ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. اهـ.